سورة القمر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


قوله تعالى: {كذَّبَتْ ثمودُ بالنُّذُر} فيه قولان:
أحدهما: أنه جمع نذير. وقد بيَّنّا أن من كذَّب نبيّاً واحداً فقد كذَّب الكُلَّ.
والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار كما بيَّنّا في قوله: {فكيف كان عذابي ونُذُرِ}؛ فكأنهم كذَّبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، {قالوا أبَشَراً مِنّا} قال الزجاج: هو منصوب بفعل مُضْمَر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بَشَراً مِنّا {واحداً}، قال المفسرون: قالوا: هو آدميّ مِثْلَنا، وهو واحد فلا نكون له تَبَعاً {إنّا إذاً} إن فعلنا ذلك {لَفي ضلالٍ} أي: خطأٍ وذهاب عن الصواب {وسُعُرٍ} قال ابن عباس: أي: جنون. قال ابن قتيبة: هو من: تَسَعَّرتِ النّارُ: إذا التَهبتْ، يقال: ناقةٌ مَسْعُورةٌ، أي: كأنها مجنونة من النشاط. وقال غيره: لَفي شقاءٍ وعَناءٍ لأجل ما يلزمنا من طاعته.
ثم أنْكَروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا: {أَأُلْقِي الذِّكْرُ؟} أي: أَنَزَل الوحيُ {عليه مِنْ بينِنا} أي: كيف خُصَّ من بيننا بالنُّبوَّة والوحي؟! {بل هو كذّابٌ أشِرٌ} وفيه قولان:
أحدهما: أنه المَرِح المتكبِّر، قاله ابن قتيبة.
والثاني: البَطِر، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {سيَعْلَمونَ غداً} قرأ ابن عامر وحمزة: {ستَعلمون} بالتاء {غداً} فيه قولان:
أحدهما: يوم القيامة، قاله ابن السائب.
والثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إنا مُرْسِلوا النّاقةِ} وذلك أنهم سألوا صالحاً أن يُظْهِر لهم ناقةً من صخرة، فقال الله تعالى: {إنّا مُرْسِلوا النّاقةِ} أي: مُخرجوها كما أرادوا {فِتنةً لهم} أي: مِحنةً واختباراً {فارتَقِبْهم} أي: فانتظر ما هم صانعون {واصْطَبِر} على ما يُصيبُك من الأذى، {ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قسمةٌ بينهم} أي: بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، فذلك قوله: {كُلُّ شِرْبٍ مُحتضَرٌ} يحضُرُهُ صاحبُه ويستحقُّه.
قوله تعالى: {فنادَوا صاحبَهم} واسمه قُدار بن سالف {فتعاطى} قال ابن قتيبة: تعاطى عَقْر الناقة {فعَقَر} أي: قتل؛ وقد بيَّنا هذا في [الأعراف: 77].
قوله تعالى: {إنا أرسلنا عليهم صَيْحةً واحدةً} وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم؛ وقد أشرنا إلى قصتهم في [هود: 61] {فكانوا كهَشِيم المُحتظِر} قال ابن عباس: هو الرجُل يجعل لغنمه حظيرة بالشَّجر والشوك دون السِّباع، فما سقط من ذلك وداسته الغنمُ، فهو الهَشيم. وقد بيَّنا معنى {الهشيم} في [الكهف: 45]. وقال الزجَّاج: الهَشيم: ما يَبِس من الورق وتكسَّر وتحطَّم، والمعنى: كانوا كالهَشِيم الذي يجمعه صاحبُ الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف، فهو يُجمع لِيوقد. وقرأ الحسن: {المُحتظَرِ} بفتح الظاء، وهو اسم الحظيرة؛ والمعنى: كهشيم المكان الذي يُحتظَر فيه الهشيم من الحطب. وقال سعيد بن جبير: هو التراب الي يتناثر من الحيطان. وقال قتادة: كالعظام النَّخِرة المحترقة. والمراد من جميع ذلك: أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطِّم.


قوله تعالى: {إنا أرسَلْنا عليهم حاصِباً} قال المفسرون: هي الحجارة التي قُذِفوا بها {إلاّ آلَ لوطٍ} يعني لوط وابنتيه {نجَّيْناهم} من ذلك العذاب {بسَحَرٍ} قال الفراء: {سَحَرٍ} هاهنا يجري لأنه نكرة، كقوله: نجَّيناهم بِلَيْلٍ، فإذا ألقت العرب منه الباء لم يَجر، لأن لفظهم به بالألف واللام، يقولون: ما زال عندنا منذُ السَّحَرِ، لا يكادون يقولون غيره، فإذا حذفت منه الألف واللام لم يُصْرَف. وقال الزجاج: إِذا كان السَّحر نكرة يراد به سَحَرٌ من الأسحار، انصرف، فإذا أردتَ سَحَرَ يومِك، لم ينصرف.
قوله تعالى: {كذلك نجزي من شكرَ} قال مقاتل: من وحدَّ الله تعالى لم يُعَذَّب مع المشركين.
قوله تعالى: {ولقد راودوه عن ضَيفه} أي: طلبوا أن يسلِّم إليهم أضيافه، وهم الملائكة {فطَمَسْنا أعيُنهَم} وهو أن جبريل ضرب أعيُنَهم بجَناحه فأذهبها. وقد ذكرنا القصة في سورة [هود: 81]. وتم الكلام هاهنا، ثم قال: {فذوقوا} أي: فقُلنا لقوط لوط لما جاءهم العذاب: ذوقوا {عذابي ونُذُرِ} أي: ما أنذركم به لوط، {ولقد صبَّحهم بُكْرَةً} أي: أتاهم صباحاً {عذابٌ مستقِرٌ} أي: نازل بهم. قال مقاتل: استقرَّ بهم العذابُ بُكْرةً. قال الفرّاء: والعرب تُجري غُدوة و{بُكرة} ولا تُجريهما، وأكثر الكلام في غُدوة ترك الإجراء، وأكثر في {بكرة} أن تُجرى، فمن لم يُجرها جعلها معرفة، لأنها اسم يكون أبداً في وقتٍ واحد بمنزلة أمسِ وغدٍ وأكثر ما تُجري العربُ غُدوةً إذا قُرنت بعشيَّةٍ، يقولون: إني لآتيهم غُدوةً وعشيَّةً، وبعضهم يقول: غُدوة، فلا يُجريها، وعشيةً فيُجريها، ومنهم من لا يُجري عشيَّة لكثرة ما صحبت غُدوةً. وقال الزجاج: الغُدوة والبُكرة إذا كانتا نكِرتين نُوِّنتا وصُرِفتا، فإذا أردتَ بهما بُكرة يومك وغداة يومك، لم تصرفهما، والبُكرة هاهنا نكِرة، فالصرف أجود، لأنه لم يثبُت رواية في أنه كان في يوم كذا في شهر كذا.


قوله تعالى: {ولقد جاء آل فرعونَ} يعني القِبْطَ {النُّذُرُ} فيهم قولان:
أحدهما: أنه جمع نذير، وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى.
والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار؛ وقد بيَّناه آنفاً، {فأخذناهم} بالعذاب {أخْذَ عَزيزٍ} أي: غالبٍ في انتقامه {مُقْتَدِرٍ} قادر على هلاكهم.
ثم خوَّف أهل مكة فقال: {أكُفّاركم} يا معشر العرب {خيرٌ} أي: أشدُّ وأقوى {مِنْ أولئكم؟!} وهذا استفهام معناه الإنكار؛ والمعنى: ليسوا بأقوى من قوم نوح وعاد وثمود، وقد أهلَكْناهم {أمْ لكم براءةٌ} من العذاب أنه لا يصيبكم ما أصابهم {في الزُّبر} أي: في الكُتب المتقدِّمة، {أم يقولون نحن جميع منتصر} المعنى: أيقولون: نحن يدٌ واحدةٌ على مَنْ خالفنا فننتصر منهم؟ وإنما وحَّد المُنْتَصِر للفظ الجميع، فإنه على لفظ واحد وإن كان اسماً للجماعة {سيُهْزَمُ الجمع} وروى أبو حاتم بن يعقوب: {سنهزم} بالنون، {الجمعَ} بالنصب، {وتوّلون} بالتاء، ويعني بالجمع: جمع كفار مكة {ويوّلون الدُّبرَ} ولم يقل: الأدبار، وكلاهما جائز؛ قال الفراء: مِثلُه أن يقول: إن فلانا لكثير الدِّينار والدِّرهم. وهذا مما أخبر اللهُ به نبيَّه من عِلم الغَيب، فكانت الهزيمة يومَ بدر.
قوله تعالى: {والسّاعةُ أدهى} قال مقاتل: هي أفظع {وأمَرُّ} من القتل. قال الزجاج: ومعنى الدّاهية: الأمر الشديد الذي لا يُهتدى لدوائه؛ ومعنى {أمَرُّ}: أشَدُّ مرارةً من القَتْل والأسْر.

1 | 2 | 3